الأشخاص ذوو الإعاقة في اليمن قبل اتفاقية
حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبعدها
ورقة عمل مقدمة من الدكتور محمد ناصر حميد
النائب الأول لرئيس المنظمة العربية للمعوقين
وعضو مجلس المفوضين ممثلاً عن اليمن في المنظمة
إلى الاجتماع الإقليمي الأول لإتحادات جمعيات المعوقين في الشرق الأوسط واليمن ( ضمن مشروع مساواة )
المنعقد في القاهرة يومي 8 ـ 9 / 11/ 2009
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ يهمني هنا أن أسجل بأنني اعتمدت ـ في كتابة هذه الورقة ـ بشكل كبير على ورقة سابقة كنت قد كتبتها لاجتماع الندوة البرلمانية الخامسة حول دور البرلمانات العربية في رفع الوعي بتوقيع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتصديق عليها وتطبيقها(الدوحة / قطر 14- 15 كانون الثاني / يناير 2009م)، وللأمانة الأكاديمية والعلمية وجب التنبيه
ذوو الإعاقة في اليمن قبل اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبعدها
أولاً: قبل الاتفاقية
من الثابت أن الاهتمام بذوي الإعاقة في اليمن قد بدأت أبجدياته بحلول عام 1954م: ففي ذلك العام شهدت مدينة عدن إنشاء أول جمعية لرعاية وتأهيل المكفوفين, وقد كان الهدف من إنشائها تعليمياً أكثر من أي هدف آخر. وبموجب إنشاء هذه الجمعية افتتح في المدينة نفسها أول معهد أو مدرسة لتعليم المكفوفين, حملت على عاتقها إكسابهم العديد من المهارات ذات الصلة بمجال التدريب المهني على وجه الخصوص, وفي تلك الحقبة من التاريخ التحق بالمعهد في عدن عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية وقضوا فيه فترة من سني حياتهم ثم ما لبثوا أن تخرجوا بعدها, وقد حصلوا على دبلومات في صناعة الخيزران وتجليد الكتب وبعض صناعات النسيج وغيرها من الحرف والمهن التي كانت تمكنهم من الوصول إلى عمل يسمح لهم بالحصول على موارد اقتصادية ثابتة قدر الإمكان. وعلى الرغم من اهتمام المعهد والجمعية بهذا الجانب فإن حق التعليم العام لم يكن غافلاً أو متجاهَلاً, يدلنا على ذلك أن تلك الحقبة شهدت تخرج العديد من المكفوفين بعد حصولهم على شهادات التعليم الأولي على وفق ما كان يدرسه الاستعمار البريطاني أو حكومات السلاطين من مناهج تميزت بالعمل على إكساب مهارات أولية أكثر من أي هدف أو فكرة أخرى بأي حال من الأحوال. وقد ظل اليمن على هذا النحو من التفكير إلى أن حل الربع الرابع من عام 1967م, وحينئذ التقى عدد من الطلبة المكفوفين في مدرسة الأيتام بصنعاء باثنين أو ثلاثة من مكفوفين آخرين سبق لهم أن حصلوا على دبلومات في الرعاية الاجتماعية من مركز النور لرعاية وتأهيل المكفوفين بالقاهرة, وكان مما تعلموه في تلك الدورات الكتابة بطريقة النقط البارز (برايل) الخاصة بالمكفوفين, وفي ذلك الاجتماع انطلقت فكرة إنشاء مركز مماثل في صنعاء يجمع صغار السن من ذوي الإعاقة البصرية ويعمل على تعليمهم المنهج المدرسي مع التركيز على تعليمهم القراءة والكتابة بطريقة (برايل) بشكل اعتمد على آلات بدائية وكتب نادرة وقليلة كانت تصلهم من مصر بين الفينة والأخرى, وكانت مجلة المصباح التي كان يصدرها مركز النور بالقاهرة تمثل مصدراً ثقافياً يُحسد عليه كل من بلغ المنى فحصل على نسخة منها ولو مرة واحدة كل عام. وعلى مدى حوالي عشر سنوات ظل هذا المركز يمارس نشاطاته تحت إشراف اجتماعي من مصلحة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة لوزارة الإدارة المحلية آنذاك على أساس أنها صاحبة الحق فيما يتصل بالجانب الاجتماعي وأهميته في رعاية المكفوفين, يقابله إشراف تعليمي من وزارة التربية والتعليم بوصفها جهة الاختصاص في هذا المجال. وهكذا صار النهج على هذا الحال الذي يغلب عليه مفهوم الرعاية والإحسان. وربما أحست الدولة واجباً يفرضه عليها دستور البلاد الذي يقضي بأن رعاية المواطنين والاهتمام بهم حق على الدولة لا مناص من أدائه في كل زمان ومكان, ومن ثم كان لابد لها من أن تقوم ببعض هذا الحق ولو من قبيل مفهوم أن هذه الفئة من الناس في أمس الحاجة إلى أكبر قدر من الدعم والعون دون النظر إلى أي عائد يمكن أن يعود به تعليمهم أو تأهيلهم على المجتمع في أي مجال من مجالات الحياة. وفي منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين نجح بعض الأشخاص ذوي الإعاقة ـ ولاسيما المكفوفون منهم على وجه الخصوص ـ في الوصول إلى مستويات تعليمية عليا مكنتهم من التخرج من الجامعات داخل الوطن وخارجه بجهود وإصرار شخصيين لا يخلوان من تشجيع كان أولئك النفر من الناس يحضون به بين الفينة والأخرى وإن كان بقدر محدود, وبنجاحهم بدأت أفكارهم تتجه نحو التفكير في إنشاء جمعيات خاصة بهم تساعدهم على تطوير فهم المجتمع بحق الأشخاص ذوي الإعاقة, والاعتراف بقدراتهم الذاتية على وفق مفهوم ثابت رسخ في أعماقهم وحاصله: أن الإعاقة شيء والعجز شيء آخر ولا مجال للجمع بينهما بأي حال من الأحوال.
وعلى الرغم من ذلك فإن مثل هذه الأفكار لم تلاق رواجاً اجتماعياً ولم تخطى بالاستجابة المطلوبة من مسؤولي جهات الاختصاص بالدولة والحكومة, لأن أصحاب تلك الآراء والتوجهات كانوا يواجَهون بأفكار قديمة خلاصتها: أن حق الرعاية تكفله الدولة لكل مواطن بما في ذلك العجزة ومنم الأشخاص ذوو الإعاقة على النحو الذي كان سائداً آنذاك. وقبل أن ينتهي عقد السبعينيات بعامين شهدت اليمن تغييراً استراتيجياً قاده ـ باقتدار ـ فخامة الأخ/ الرئيس علي عبد الله صالح تحوّل به كل شيء بدرجة يصعب وصفها وتفصيلها في مثل هذا الحديث, وحسبنا فيما القصد إيجازه أن نشير إلى أن الرجل قد خص الأشخاص ذوي الإعاقة باهتمام متميز برهن عليه في أكثر من مناسبة حين كان يعبر عن قناعة ثابتة خلاصتها: أن ذوي الإعاقة مواطنون لهم من الحقوق ما لغيرهم وعليهم من الواجبات كل ما يُلزِم به الدستورُ والقانونُ أبناءَ المجتمع سواء بسواء. ومن هنا بدأت مسيرة الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة تأخذ شكلاً آخر جعلهم يأخذون زمام المبادرة بأيديهم فيسهمون في البرمجة والتخطيط وصنع القرارات ذات الصلة بمجالات تعليمهم وتأهيلهم, وبذلك أنشئت الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة بالأشخاص ذوي الإعاقة حتى بلغت اليوم أكثر من ثمانين جمعية ومنظمة يدير دفة قيادتها الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين الذي عقد مؤتمره التأسيسي في الثامن من شهر إبريل عام 2001م. وبمجرد إشهاره بدأ يعمل على تحقيق أهدافه الأساسية التي ننسخها كما جاءت في النظام الأساسي لإنشاء الاتحاد دون تصرف أو تدخل على الإطلاق":
1. تنسيق الجهود والمصالح المشتركة بين الجمعيات الأعضاء بالاتحاد في إطار تنظيم وتعزيز العلاقات في ما بينها بما يخدم تطوير وتحسين المجالات الخدمية وتبادل المنافع المشتركة والارتقاء بمسؤولياتها ودورها في الأداء المساهم والفاعل في عملية البناء والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
2. وضع السياسة العامة في عمل الاتحاد بما يتفق مع خطة الدولة وسياستها العامة وذلك من خلال تحديد المؤشرات والمهام الرئيسية على المدى الحاضر ومستقبل العمل الاجتماعي والخدمي والاقتصادي والثقافي والعلمي والمهني والفني المتصل بدور الاتحاد والجمعيات الأعضاء بالاتحاد وبما يلبي ويحقق أهداف الاتحاد والجمعيات ويسهم في توفير أفضل الخدمات الضرورية للمعاقين المنتمين إلى عضوية تلك الجمعيات.
3. تعزيز النشاط الاجتماعي المساهم لجمعيات المعاقين اليمنيين في عملية التنمية الشاملة وتشجيع إقامة الجمعيات النوعية لمختلف الإعاقات وتفعيل دورها وتوحيد جهودها, وتوجيهها ومساعدتها في تحقيق أهدافها والدفاع عن حقوق أعضائها ورعاية حقوق المعاقين ومصالحهم المنصوص عليها في أحكام قانون رعاية وتأهيل المعاقين وتذليل كافة الصعوبات التي تواجه الأعضاء. وبالجملة فإن الهدف الأساس هو: دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع دمجاً كاملاً, ومن أجل تحقيق هذا الهدف فقد سعت الحكومة بالاشتراك مع منظمات المجتمع المدني إلى سن التشريعات التي تنظم مسيرة ذلك العمل وتحدد اختصاصات كل جهة وتفض ما كان سائداً من اشتباك بين جهات مختلفة أشرنا إليه في بداية سطور هذه الورقة بوضوح. ومنذ عام 1991م وعقب تحقيق الوحدة اليمنية المظفرة بشهور بدأت الحكومة اليمنية تسير في اتجاه تقنين العمل وسن التشريعات في هذا المجال, وهنا نستعرض بإيجاز بعض تلك القوانين والتشريعات:
1. القرار الجمهوري رقم (5) الصادر بتاريخ 9 يناير1991م بشأن إنشاء وتشكيل اللجنة الوطنية العليا لرعاية المعاقين وتحديد اختصاصاتها. وقد جاء في هذا القرار ما يشير إلى أن اللجنة الوطنية العليا لرعاية وتأهيل المعاقين تتكون من رئيس مجلس الوزراء رئيساً للجنة, أما أعضاؤها فهم ممثلون عن الوزارات والهيئات والمؤسسات والأجهزة ذات العلاقة بالعمل في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة, ومن ذلك: وزارات الشؤون الاجتماعية والعمل, والتربية والتعليم, والصحة العامة والسكان, والإعلام, والتعليم المهني والتدريب الفني, وفوق ذلك فإن اللجنة ضمت في عضويتها مندوبين عن الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم وشخصيات من رجال الأعمال, ثم إن القرار قد أعطى للجنة الحق في أن تستعين بمن ترى أن العمل يستدعي الحاجة إلى الاستعانة به ممن يتمتعون بالخبرات العالية في مجال عملها. وقد حدد القرار مهام اللجنة بأمور أهمها: وضع الاستراتيجية الوطنية في مجال تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وتعليمهم وتدريبهم...الخ, وجعل من مهامها التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بهدف منع الازدواجية ورغبة في تحديد الاختصاصات على الوجه المطلوب. ومن مهام اللجنة اقتراح التشريعات التي تراها ضرورية لتقنين العمل في مجال الإعاقة على المستوى الوطني بشكل عام. ومن حق اللجنة -كما جاء في القرار- أن تعقد كل ما تحتاج إليه من اتفاقيات مع مثيلاتها من اللجان والجمعيات والمؤسسات والمنظمات في الدول الشقيقة والصديقة دون استثناء, ولها أن تبرم مذكرات التفاهم والاتفاقيات مع أي جهة ما دام ذلك في مصلحة إنجاز مهامها على الوجه المطلوب.
2. القانون رقم (61) الصادر بقرار جمهوري بتاريخ 29 ديسمبر 1999م بشأن رعاية وتأهيل المعاقين. لقد جاء هذا القانون ليشكل أهم تشريع شهدته اليمن منذ اهتمامها بالأشخاص ذوي الإعاقة في العصر الحديث, ولعل أهم ما يميز القانون بما في ذلك لائحته التنفيذية ـ الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (284) وتاريخ 16 مارس 2002م ـ أنه ضمن لذوي الشأن حقوقاً تتراوح بين الرعاية الاجتماعية والتعليمية والصحية والاقتصادية نوجزها فيما يأتي:
أ_ دمج المعاقين في المجتمع باستخدام وسائل التعليم والتوعية والتأهيل والتدريب وغيرها.
ب _ الأولوية في التعليم والالتحاق بالجامعات والكليات والمعاهد والمدارس.
ج- توظيفه في الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام والمختلط والتعاوني والخاص.
د- الحصول على رخصة قيادة مجاناً.
هـ- تلقي أجهزة تعويضية.
و- الحصول على القروض والامتيازات والتسهيلات عند إنشاء المشاريع الصغيرة.
ز- تخفيض قيمة تذاكر السفر على جميع وسائل النقل البرية والبحرية والجوية الداخلية والخارجية إلى ما نسبته (50%).
ح- إنشاء الجمعيات والنقابات والاتحادات.
ط- الحصول على كامل الرعاية الطبية والتأمين الصحي.
ي- تخصيص نسبة (5%) من مجموع الوظائف الشاغرة في الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام والمختلط والتعاوني وكذا (5%) في القطاع الخاص.
ك- تدريبه وتأهيله لدى مراكز التأهيل مجاناً.
ل- يمنح شهادة تأهيل أو خبرة بعد اجتيازه الامتحان المقرر بنجاح.
وبما أن هذه الحقوق قد ركزت على مجالات محددة بعينها فإن من قدر له الاطلاع على هذا القانون ولائحته التنفيذية يستطيع أن يجد في موادهما تفصيلات أكثر تتحدث عن دعم معنوي خلاصته: تشجيع الأشخاص ذوي الإعاقة على إبراز قدراتهم دون عوائق, ولهم في ذلك أن يفيدوا من مختلف وسائل التوعية والإعلام دون استثناء, وفي هذا المجال نشير إلى أن القنوات التلفزيونية وموجات الإذاعة تعمل على دعم الأشخاص ذوي الإعاقة بنشر أنشطتهم المختلفة وبث سير حية لنماذج أثبتت تفوقاً يستحق أن يقتدى به على الدوام, ولقد كان الشاعر العربي الكبير الأستاذ عبد الله البردوني أحد تلك النماذج التي استطاع الإعلام أن يترك بتقديمها إلى الناس أثراً كبيراً أحدث تحولاً متميزاً في عقول الجماهير. ومن ذلك الدعم المعنوي إشرافهم في مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية وتمكينهم من السير في أفضل الطرق التي تساعدهم على الثقة بأنفسهم بأعلى درجة يستطيعون الوصول إليها في هذا المجال. ولعل أهم ما يتميز به قانون رعاية وتأهيل المعاقين اليمنيين أنه قد أفاد من ظروف اجتماعية مر بها العالم في أواخر القرن العشرين وتعلم منها, ومع ذلك فإن ثمة أحداثاً تستدعي إعادة النظر في بعض مواده وعلى وجه الخصوص حدث إقرار اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي باتت ملء السمع والبصر بين الجميع.
1-القانون رقم (2) الصادر بقرار جمهوري بتاريخ 13 يناير 2002م بشأن صندوق رعاية وتأهيل المعاقين. إن إنشاء صندوق رعاية وتأهيل المعاقين يمثل تجربة يمنية متفردة تميزت بأنها اعتمدت في وجودها على الجهد الذاتي والإسهام المجتمعي الملزم لأصحاب القدرة المالية بأن يخصصوا من دخلهم قدراً معيناً يستخدم في الإنفاق على البرامج والمشاريع ذات الصلة بالعمل في تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم من الوصول إلى سوق العمل بشهادات وخبرات تؤهلهم للحصول على أعمال ووظائف يمارسون فيها إنتاجاً حقيقياً وفاعلاً يعود على التنمية والاقتصاد بما هما في أمس الحاجة إليه من تطور وازدهار. وعلى مدى سنواته الست أثبت الصندوق أنه يستطيع أن يسوّق تجربة يمنية يمكن الاقتداء بها في وطننا العربي بشكل عام. وفي حديثنا عن هذا الصندوق نشير إلى أن مفهوم الإسهام المجتمعي في تمويله يعني أن موارد الصندوق تُحصَّل -على وفق القانون- في شكل رسوم تدفعها شركات القطاع الخاص ومؤسساته وبيوته التجارية وما في حكمها أو يمارس عملها الاستثماري في القطاعين العام والمختلط على حد سواء, أما مجالات إنفاقه فإنها تتركز في دعم برامج الجمعيات والمراكز والمؤسسات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة شريطة أن تكون تلك البرامج جزءاً من العمل على تحقيق دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع بوصفهم أفراداً يعيشون فيه ويتعاملون مع متغيراته زماناً ومكاناً دون أن تفرض عليهم أي قيود, ومن هنا وتأسيساً على ما تقدم فقد تم إنشاء صندوق رعاية وتأهيل المعاقين ليحقق أهدافاً نص عليها قانون إنشائه على النحو الآتي:
أ- توفير مصادر مالية للصندوق تتسم بالاستقرار والثبات لدعم المشاريع المختلفة لرعاية وتأهيل المعاقين.
ب- تمويل برامج ومشاريع رعاية وتأهيل المعاقين.
ج- استثمار أموال الصندوق في المشاريع التي تعود بالفائدة المباشرة على المعاقين.
د- الإسهام في تمويل الأنشطة التي تستهدف رعاية وتأهيل المعاقين وفقاً لأحكام المواد (5,6,8) من قانون رعاية وتأهيل المعاقين.
هـ- التنسيق مع الصناديق العاملة في مجال شبكة الأمان الاجتماعي لتوفير الاحتياجات المختلفة للمعاقين ودعم أنشطة الصندوق التي تعود عليهم بالفائدة. وبقراءة تلك الأهداف نجد أنها قد حققت قدراً كبيراً من الانسجام مع الحقوق التي سبق أن أشرنا إليها في الحديث عن قانون رعاية وتأهيل المعاقين, غير أن ما يهمنا في هذا المقام هو أن نشير إلى أن الفترة الوجيزة التي قضاها الصندوق في عمله قد أكدت لنا سلامة النهج الذي سرنا عليه وصحة التفكير الذي اعتمدناه في العمل على إنشاء هذه المؤسسة المتميزة باتفاق. تلك نبذة تميزت بإيجاز شديد عرضنا فيها وضع الأشخاص ذوي الإعاقة قبل دخول اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيز التنفيذ, وبذلك نخلص إلى نتيجة ثابتة وواضحة هي أن العمل كان يسير على وتيرة التعاون المشترك بين الجميع والرغبة الصادقة في الوصول إلى بعض ما يطمح إلى تحقيقه إخواننا ذوو الإعاقة انطلاقاً من إيماننا بأن الكمال يظل من صفات صاحب الكمال سبحانه وتعالى دون سواه, وعلى الرغم من تلك الجهود فإننا في اليمن نعرف ـ سلفاً ـ بأن عملنا لا يزال مرتهناً بمفهوم الرعاية المقننة, وبما أن بلادنا تعد أحد أطراف اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بعد التصديق عليها فإننا على يقين بأن ذلك يلزمنا بالعمل مستقبلاً على الانتقال من هذا المفهوم إلى فلسفة الحق القانوني لنلحق بركب الدول التي نعتقد أنها سبقتنا في هذا المجال, وإذ نقرر ذلك فإننا على قناعة تامة بأن العمل بمفهوم الرعاية المقننة وغير المقننة لا يزال أسلوباً ينتهجه بعض دولنا العربية إن لم نقل كلها دون استثناء. ومن هذا الاجتماع المتميز ندعو إلى أن تتكاتف جهودنا معاً في سبيل الانتقال إلى تنفيذ بنود الاتفاقية دون تأخير وهو ما نسعى إليه في بلدكم اليمن وقد بذلنا في ذلك جهوداً أولية هي مدار حديثنا في الجزء الثاني من الورقة بإذن الله.
ثانياً: بعد الاتفاقية
يحسن بنا ـ وعلى وفق ما اختطته الورقة لنفسها من منهج يأخذ بمنطقية التسلسل ـ أن نعود بكم إلى الحديث عن ما بذلته اليمن من جهود أسهمت بها من أجل خروج هذه الوثيقة إلى حيز الوجود لما لها من أهمية في إلزام الدول الأطراف بالعمل على تنمية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وفرضها في مجتمعات لا تزال تضعهم في هامش كتاب الحياة. وقبل أن نوجز القول في هذا المجال فإنه ليشرفنا ويسعدنا ـ بحق ـ أن نسجل لكل من دولة قطر وبقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي ولبنان ومصر والسودان وسويا وفلسطين وغيرها, صادق الشكر وعاطر الثناء على ما بذلته وفودها في المفاوضات من دور فاعل شكل مع وفد اليمن صوتاً قوياً كان له حضوره الفاعل حتى انتهت المداولات إلى إبرام الاتفاقية في 13 من ديسمبر 2007م. أما عن دور وفدنا فقد حرصت اليمن على تشكيله من الأشخاص ذوي الإعاقة ومعهم مسؤولون من بعض الوزارات والأجهزة الرسمية ذات الاختصاص بالعمل في هذا المجال. ومنذ العام 2001م أسهم وفدنا في العديد من المؤتمرات والندوات وورشات العمل العربية التي انعقدت في مدن مثل بيروت والقاهرة والمنامة والدوحة وتونس...الخ, كما أسهم في الاجتماعات الدولية التي شهدتها مدينة نيويورك, وقدم عدداً من المداخلات التي شكلت عناصر أساسية في صياغة مواد الاتفاقية ونصوصها وعلى وجه الخصوص ما يتصل بقضية تعدد الثقافات وتنوع عادات الشعوب وتقاليدها, وهنا كانت اليمن في غاية من الحرص على أن توازن بين حق الثقافة المجتمعية من جهة وحق الرغبة في الخروج باتفاقية قوية قادرة على البقاء من جهة أخرى. وللتمثيل على ذلك نشير إلى ما حظيت به المادة (12) ذات الصلة بالأهلية القانونية بالأشخاص ذوي الإعاقة من مداولات وحوارات طويلة جعلت إقرارها بصورة نهائية يتأخر إلى الاجتماع الأخير الذي انعقد في الفترة من 14- 25 آب/ أغسطس 2006م, يضاف إلى ذلك بعض المواد التي تتصل بالصحة والصحة الإنجابية وتكوين الأسرة بما في ذلك كفالة الأطفال وتبنيهم، إلى آخر ما هنالك من قضايا تتصل بنص الاتفاقية وعلاقتها بالقوانين المدنية وقوانين الأحوال الشخصية وتشريعات الأسرة وغيرها كثير, ثم إن الحكومة في بلادكم اليمن قد حرصت على عقد العديد من الندوات بهدف توعية المجتمع بشكل عام والجهات ذات العلاقة على وجه الخصوص, وكانت هذه الوثيقة المتميزة محور تلك التوعية ومدار معظم ما تضمنته تلك الندوات من أوراق عمل ومداخلات وحوارات غايتها موازنة ما في اليمن من تشريعات بهذه الاتفاقية والعمل على خلق مستقبل يمكننا من فهم ما تتطلبه المرحلة القادمة من تعديلات تسمح بمواءمة ما لدينا من قوانين في مجال ذوي الإعاقة مع نصوص هذه الوثيقة الأممية التي احتفينا بها ورحبنا بجهود أعضاء الأمم المتحدة في سبيل إضافة وثيقة مهمة إلى وثائق حقوق الإنسان الاجتماعية على وجه الخصوص. ولقد كان وفدنا يعود بعد المفاوضات ليشرح ما توصلت إليه اللجنة المختصة ويعمل على استقصاء آراء مختلف الاتجاهات الثقافية والاجتماعية ـ ولاسيما ذوو الإعاقة بوصفهم أصحاب الحق الأول والأخير ـ ليتمكن من صياغة أفكار وخلاصات يعود بها إلى الاجتماع التالي وهكذا دواليك. أما البرلمان اليمني بشعبتيه (مجلسي النواب والشورى) فقد أسعده أن يكون حاضراً في مثل هذه الأنشطة ومساهماً في مختلف فعالياتها بوصفه صوت الشعب وسلطته التشريعية والرقابية التي يناط بها دراسة مثل هذه القضايا والتعامل معها من منطلقات عديدة أهمها منطلق الحق المجتمعي في المساواة بين الجميع, وفي هذا المقام تذكر صنعاء ـ بسعادة غامرة ـ أنها احتضنت الندوة البرلمانية الثالثة حول التسهيلات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في التشريعات العربية. وقد أقام تلك الندوة مجلس الشورى بمؤازرة مجلس النواب وبالتعاون مع المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالإعاقة -آنذاك- صاحبة السعادة الأخت الشيخة/حصة بنت خليفة بن أحمد آل ثاني, وذلك في يومي 21-22 آذار/مارس 2007م, وقد صدر عن تلك الندوة إعلان صنعاء الذي ضم العديد من التوصيات نختار ما نعتقد أنه أهمها ونوجزه بتصرف فيما يأتي:
1. اعتماد ما نصت عليه الاتفاقية الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في مادتها التاسعة بعنوان (إمكانية الوصول) مرجعية أساساً في فهم المقصود بمصطلح التسهيلات في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة.
2. توقيع الدول العربية كافة على الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة والتوعية بأهميتها بهدف تنفيذ نصوصها في مختلف المجالات .
3. العمل على إدخال ما تتطلبة التشريعات العربية من تعديلات تنسجم مع نصوص الاتفاقية بشكل عام وما نصت عليه في مجال التسهيلات بوجه خاص.
4. تشكيل لجان فرعية في البرلمانات العربية يناط بها متابعة دراسة التشريعات ومراجعتها واقتراح تعديلاتها عند الحاجة ومراقبة تنفيذ ما تضمنته في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لاسيما تلك التي تتصل بالتسهيلات على مختلف أنواعها ومستوياتها ومجالاتها.
5. إشراك منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على قدم المساواة مع غيرها من الجهات في مختلف مراحل صياغة التشريعات وتنفيذها بما في ذلك كل ما يتصل بمجالات البرمجة والتخطيط واتخاذ القرار.
6. الأخذ برأي الأشخاص ذوي الإعاقة واعتماده معياراً من أهم المعايير التي ستقرها الدول العربية بشأن التسهيلات وفقاً للمعايير الدولية المعتمدة.
وبعد ذلك بدأت الحكومة تعمل على تنفيذ ما نص عليه الإعلان آنف الذكر فوقّعت على الاتفاقية في أول يوم طُرحت فيه للتوقيع بتاريخ 30 مارس 2007م, وقد صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على الاتفاقية في اجتماعه المنعقد بتاريخ 20/ مارس/2007م فشكل بذلك إحدى فعاليات احتفاء اليمن بالندوة البرلمانية الثالثة التي حظيت بتغطية إعلامية مباشرة على مختلف قنوات التلفزيون وموجات الإذاعة بشكل عام, ثم بدأ العمل باتخاذ الإجراءات الدستورية للتصديق عليها فعُقدت لهذا الغرض ندوات ومؤتمرات وورشات عمل عديدة انتهت بعرض الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري على مجلس النواب (البرلمان) الذي صدّق عليها وعلى البروتوكول الاختياري الملحق بها وذلك بالإجماع في جلسته المنعقدة في تاريخ 18/10/2008م, وفي الثالث من نوفمبر للعام نفسه أصدر فخامة الأخ الرئيس/ علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية القرار الجمهوري بالقانون رقم (47) اعتمد فيه قرار مجلس النواب بالتصديق على الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري لتصبح بذلك قانوناً وطنياً يُعمل به من تاريخ صدوره, وهكذا توالت فعاليات اهتمام الدولة في اليمن بالاتفاقية إلى أن تم إيداع وثيقة التصديق على الاتفاقية والبروتوكول لدى الأمين العام للأمم المتحدة في شهر 3/ 2004م, وبعد ذلك بشهر دخلت اليمن في عداد الدول الملزمة بالتنفيذ, وغايتنا تطبيق بنودها بكل صدق وجد وإخلاص, وفي سبيل ذلك أصدرت معالي الأخت الدكتورة/ أمة الرزاق علي حُمّد وزير الشؤون الاجتماعية والعمل قرارها الوزاري برقم (52) وتاريخ 16/12/2008م, وقد نص على تشكيل لجنة يناط بها متابعة تنفيذ الاتفاقية والعقد العربي للأشخاص المعاقين ضمت في عضويتها ممثلين عن الجهات ذات الاختصاص ومنهم عضوان من قيادات الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين اليمنيين بالإضافة إلى أشخاص من ذوي الخبرة في هذا المجال. وستسعى اللجنة إلى دراسة كل ما يتطلبه العمل من تعديلات تشريعية وأنشطة مختلفة بما في ذلك تشكيل لجان الرصد ومراقبة التنفيذ, ونحن على ثقة بأن عملنا سيحقق غاية نجاحه بإذن الله, ولن نألو جهداً في العمل على إيجاد تعاون مشترك مع أشقائنا أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربي بشكل خاص والدول العربية بشكل عام, وغايتنا في ذلك تبادل الخبرات بين الجميع.